ريمان المنيع
12-17-2010, 04:00 PM
:) حالات المادة ثلاث أم ست حالات ...... ! ؟ :confused:
من المعروف لدي معظم الناس وخاصة طلاب المدارس أن حالات المادة ثلاث حالات وهى الحالة الصلبة والحالة السائلة والحالة الغازية، وقد يرجع ذلك إلي قدم اكتشاف هذه الحالات فقد ظل الإنسان قرونا طوال لا يعرف سواهن، وذلك بسبب قصور البحث العلمي أثناء تلك الفترات وقلة الإمكانيات وعدم كفاية وكفاءة الأجهزة المستخدمة فى البحث، ولعل الكثير منا يعرف أن العلوم الحديثة التي نعرفها الآن أسسها فى البداية مجموعة من الباحثين الذين بهرتهم ظواهر الطبيعة العجيبة والبحث عن أسرارها، والذين امتلكوا المقدرة المادية حينها علي تحقيق هذه الاكتشافات، ونحن نعرف أن قانون الجذب العام الذي يحكم جميع ما فى الكون من أجسام كبيرة تتولد عنها قوي جاذبية محسوسة تم اكتشافه بواسطة الإنجليزي السير اسحق نيوتن Sir Isaac Newton عندما تأمل فى سقوط تفاحة عليه من شجرة كان يجلس تحتها .
ونحن نتعجب حقاً من مقولة الفيزيائي الإنجليزي الشهير صاحب النظرية الكهرومغناطيسية، جيمس كلارك ماكسويل James Clerk Maxwell عام 1871 خلال محاضرته الافتتاحية بجامعة كمبريدج، وذلك عندما قال:
" خلال بضع سنوات سنستطيع أن نقدر علي وجه التقريب جميع الثوابت الفيزيائية الهامة، وعندئذ لن يتبقي أمام أهل العلم إلا مهمة واحدة، القيام بهذه القياسات لتضاف إليها أرقام عشرية جديدة بعد الفاصلة "
ففي هذا الوقت كان لدي الباحثين العلميين ما يكفي من الأسباب للتفاؤل فقد غذت الفيزياء التقليدية Classical Physics ( الكلاسيكية ) والكهرومغناطيسية الثورة الصناعية، وبدا وكأن معادلاتهما قادرة علي توصيف جميع النظم الفيزيائية، ولم تمض سوي ثلاثة عقود من الزمان حتى انطلقت الشرارة الأولي للفيزياء الكمية والنسبية وما تبعها من ظهور الطاقة النووية واقتحام الفضاء وسبر غور الذرة والثورة التكنولوجية والمعلوماتية وفيزياء الجسيمات، ولنا أن ندرك الآن أن ماكسويل كان خاطئاً تماماً فلم يكن يعرف عن الكون أكثر من 0.01% مما نعرف الآن.
ولقد تبعت هذه الثورة العلمية والتكنولوجية اكتشاف حالات المادة الثلاث الأخرى، وقد اعتاد الفيزيائيين تسمية هذه الحالات تبعاً لترتيب اكتشافها، فلقد سميت الحالة الصلبة للمادة بالحالة الأولي، وسميت الحالة السائلة بالحالة الثانية، وسميت الحالة الغازية بالحالة الثالثة، ثم تلاهم بعد ذلك أثناء اكتشاف الطاقة النووية ظهور الحالة الرابعة للمادة ألا وهي البلازما، ثم فى عام 1938 اكتشاف الحالة الخامسة للمادة ألا وهي السيولة ( الميوعة ) الفائقة، وأخيراً عام 1995 تم التوصل للحالة السادسة للمادة ألا وهي كثافة بوز – أينشتاين، ويوجد الآن بعض الظواهر المتعلقة بالطاقة والمادة تعتبر كأبناء عم الحالات الست، ألا وهي الليزر، والتوصيلية الفائقة، والإكسايتونات، ويرجع عدم معرفة الناس بالحالات الأخرى إلي أنها ظلت قيد البحث والدراسة عقوداً عديدة.
وتمتاز كل حالة من حالات المادة بقوانينها التي لا توصف إلا من خلالها فلا يصح أن توصف حالة من حالات المادة بقوانين حالة أخرى..
الميوعة الفائقة:
الميوعة الفائقة هي حالة من حالات المادة تأخذ فيها بعض السوائل خواصا غريبة عن المألوف . أول ما اكتشفت تلك الظاهرة كان في الهيليوم السائل عند درجة حرارة 17و2 كلفن .وهي تظهر في النظيرين هيليوم-4 و هيليوم-3 حيث يختفي الاحتكاك الداخلي للسائل تماما وتصل لزوجة السائل إلى الصفر . وقد اكتشف تلك الظاهرة العالم بيوتر كابيتسا، وجون آلان ، و دون ميسينر عام1937 .
وصف الميوعة الفائقة:
لم توجد ظاهرة الميوعة الفائقة حتى الآن سوى مع نظيري الهيليوم (هيليوم-4 و هيليوم-3 وكذلكمع الليثيوم-6 . وينتقلون إلى حالة الميوعة الفائقة عندما تهبط درجة حرارتهم عن درجة الحرارة الحرجة للميوعة الفائقة . وتبلغ درجة الحرارة الحرجة للهيليوم-4 17و2 كلفن ، وللهيليوم-3 النادر جدا 0026و0 كلفن وهي درجة حرارة قليلة جدا وقريبة من الصفر المطلق .
ويسمى والهيليوم-4 عندما يصل إلى حالة الميوعة الفائقة Helium-II ، ويسمى في حالة السيولة المعتادة Helium-I.
ويمكن في حالة الميوعة الفائقة مشاهدة عدة خواص غريبة:
الخاصة الشعرية تكون خالية تماما من الاحتكاك وحتي في أضيق الانابيب
يصل التوصيل الحراري إلى حالة مثالية
عند تدوير الوعاء لا يدور السائل ويبقى ثابتا ، وعند تدوير الوعاء بسرعة كبيرة تظهر على سطح السائل موجات منتظمة في شكل سداسي..
كثافة بوز – أينشتين ( أبرد مادة فى الكون )
من المعلوم أن أشهر مقياس نعرفه لدرجة الحرارة هو مقياس سيلزيوس والذي يبدأ عند درجة انصهار الثلج والتي اعتبرت الدرجة صفر، ويصل إلي 100 درجة عند غليان الماء، ونحن نسمع كثيراً عن درجات حرارة تقع تحت الصفر، هذا صحيح، فهناك مقياس أعم وأشمل لدرجات الحرارة، وهو مقياس كلفن Kelvin أو المقياس المطلق، وهذا المقياس يبدأ تدريجه عند درجة حرارة تعادل - 273.15 سيلزيوس، أي أن الصفر المطلق أو الكلفين يعادل – 273.15 سيلزيوس، وهذه الدرجة الكلفينية أو المطلقة هى أقل درجة حرارة فى الكون فلا يستطيع أي جزء من الكون أن يصل إلي درجة حرارة أقل من هذه الدرجة، وأعتبر هذه الدرجة – إن صح التعبير – من وجهة نظري هى درجة تجمد الكون، فعند هذه الدرجة تتوقف كافة أشكال الحركة الكونية بدأ من الذرات وحتى النجوم وتتوقف كافة أشكال التفاعلات الكيميائية والفيزيائية، ويتوقف بثها للإشعاع الضوئي.
تنشأ كثافة بوز – أينشتاين عندما يتم تبريد المادة بوسائل تبريد متطورة جداً وغاية فى التعقيد إلي درجة تقترب كثيراً من الصفر المطلق، قد تصل أحياناً إلي 50 ميكروكلفن – أي أصغر من الدرجة المطلقة أو واحد كلفن بحوالي عشرين ألف مرة – وقد يستغرق الأمر من التبريد للوصول إلي هذه الدرجة الغاية فى الصغر عدة سنوات أو حتى عدة عقود كما حدث مع الفيزيائي الهولندي كلبنر Kleppner عندما حاول فى عام 1976 فى الوصول إلي هذه الحالة مع الهيدروجين ونجح أخيراً فى الوصول إليها فى يونية عام 1998.
تخيل أنك تمكنت من تقليص نفسك حتى صرت بحجم الجزئ، حينها ستستطيع بكل سهولة رؤية حركة الذرات وهى تبدو ككرات زجاجية تقفز هنا وهناك وترتد عن بعضها باستمرار فى فضاء خال تقريباً، وفجأة تلاحظ أن حركة هذه الذرات بدأت فى الهدوء شيئاً فشيئاً، علي الفور يدرك طالب العلوم أن هذه الذرات تحدث لها عملية تبريد، حيث تبدأ الذرات فى تقليل سرعتها وتقترب من بعضها البعض، وباستمرار عملية التبريد يزداد تقارب هذه الذرات من بعضها، ثم تري فجأة فى مركز المنطقة أن هناك ذرتان من أبطأ الذرات تبدأن فى الإندماج معاً ليكونا فى النهاية كرية كبيرة الحجم ومعتمة، ثم تعمل هذه الكرية كالمصيدة حيث تبدأ فى التهام بقية الذرات المحيطة بها، وفي مفاجأة مروعة تختفي جميع الذرات من حولك ولا يتبقي سوي كتلة ضخمة لا تتحرك، فماذا حدث للذرات المنفردة ؟ وما هو هذا الجسم المعتم الغامض ؟
ما حدث بالفعل هو نشأة هذه الحالة من المادة، وهى أكثر أشكال المادة برودة فى الكون، والتي تمتاز باندماج جميع ذرات هذه المادة مهما اختلفت أنواعها فى كرية ضخمة، بل وتتوقف كافة أشكال الحركة الذرية والجزيئية للمادة، وحينها يستحيل عملياً التمييز بين أي ذرتين مختلفتين فى هذه الحالة وذلك ببساطة لأن جميع المواد فى هذه الحالة تسلك نفس السلوك وهو انعدام الحركة، ولنتصور صعوبة فهم هذه الحالة، فإن الأشياء من حولنا عند هذه الدرجة ستتحول إلي شئ موحد، فلن يكون لديك قلم أو كوب أو حتى الورقة التي تقرأها الآن بالشكل المعروف، ويتكون ما يطلق عليه الذرة العملاقة.
تعود البداية إلي عشرينيات القرن الماضي حيث كان هناك فيزيائياً هندياً يدعي ساتياندرا ناث بوزه يدرس إحدى الظواهر الجديدة الخاصة بالضوء، وتوصل لفكرة عبقرية تتلخص فى كيفية تقوية وترابط الضوء لينتج شعاعاً ضوئياً مترابطاً – الذي عرف فيما بعد بالليزر – ولقد كانت من عبقرية هذه الفكرة حينها أن قوبلت بالمعارضة الشديدة، لذلك لم يستطيع نشر هذه الفكرة فى أي مجلة علمية، لذا أرسلها إلي الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين الذي اقتنع جداً بالفكرة واستخدم نفوذه ليجد لها مكاناً للنشر.
لم يكتف أينشتاين فى مساعدة بوزه فى نشر أبحاثه بل أضاف إليها شيئاً آخر، فلقد رأي أن فرضيات بوزه تسري أيضاً علي الذرات، ولكن بشرط عند درجات الحرارة المنخفضة، كان هذا فى عام 1924، ولقد تم الحصول علي هذه الحالة لأول مرة فى التاريخ مع الروبيديوم صباح يوم 5 يونية عام 1995 فى المعهد المشترك للفيزياء الفلكية المختبرية بالولايات المتحدة الأمريكية علي يد كل من كورنيل، ووايمان، وكيتيرله مما أهلهم للفوز بجائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2001.
" منقول "
من المعروف لدي معظم الناس وخاصة طلاب المدارس أن حالات المادة ثلاث حالات وهى الحالة الصلبة والحالة السائلة والحالة الغازية، وقد يرجع ذلك إلي قدم اكتشاف هذه الحالات فقد ظل الإنسان قرونا طوال لا يعرف سواهن، وذلك بسبب قصور البحث العلمي أثناء تلك الفترات وقلة الإمكانيات وعدم كفاية وكفاءة الأجهزة المستخدمة فى البحث، ولعل الكثير منا يعرف أن العلوم الحديثة التي نعرفها الآن أسسها فى البداية مجموعة من الباحثين الذين بهرتهم ظواهر الطبيعة العجيبة والبحث عن أسرارها، والذين امتلكوا المقدرة المادية حينها علي تحقيق هذه الاكتشافات، ونحن نعرف أن قانون الجذب العام الذي يحكم جميع ما فى الكون من أجسام كبيرة تتولد عنها قوي جاذبية محسوسة تم اكتشافه بواسطة الإنجليزي السير اسحق نيوتن Sir Isaac Newton عندما تأمل فى سقوط تفاحة عليه من شجرة كان يجلس تحتها .
ونحن نتعجب حقاً من مقولة الفيزيائي الإنجليزي الشهير صاحب النظرية الكهرومغناطيسية، جيمس كلارك ماكسويل James Clerk Maxwell عام 1871 خلال محاضرته الافتتاحية بجامعة كمبريدج، وذلك عندما قال:
" خلال بضع سنوات سنستطيع أن نقدر علي وجه التقريب جميع الثوابت الفيزيائية الهامة، وعندئذ لن يتبقي أمام أهل العلم إلا مهمة واحدة، القيام بهذه القياسات لتضاف إليها أرقام عشرية جديدة بعد الفاصلة "
ففي هذا الوقت كان لدي الباحثين العلميين ما يكفي من الأسباب للتفاؤل فقد غذت الفيزياء التقليدية Classical Physics ( الكلاسيكية ) والكهرومغناطيسية الثورة الصناعية، وبدا وكأن معادلاتهما قادرة علي توصيف جميع النظم الفيزيائية، ولم تمض سوي ثلاثة عقود من الزمان حتى انطلقت الشرارة الأولي للفيزياء الكمية والنسبية وما تبعها من ظهور الطاقة النووية واقتحام الفضاء وسبر غور الذرة والثورة التكنولوجية والمعلوماتية وفيزياء الجسيمات، ولنا أن ندرك الآن أن ماكسويل كان خاطئاً تماماً فلم يكن يعرف عن الكون أكثر من 0.01% مما نعرف الآن.
ولقد تبعت هذه الثورة العلمية والتكنولوجية اكتشاف حالات المادة الثلاث الأخرى، وقد اعتاد الفيزيائيين تسمية هذه الحالات تبعاً لترتيب اكتشافها، فلقد سميت الحالة الصلبة للمادة بالحالة الأولي، وسميت الحالة السائلة بالحالة الثانية، وسميت الحالة الغازية بالحالة الثالثة، ثم تلاهم بعد ذلك أثناء اكتشاف الطاقة النووية ظهور الحالة الرابعة للمادة ألا وهي البلازما، ثم فى عام 1938 اكتشاف الحالة الخامسة للمادة ألا وهي السيولة ( الميوعة ) الفائقة، وأخيراً عام 1995 تم التوصل للحالة السادسة للمادة ألا وهي كثافة بوز – أينشتاين، ويوجد الآن بعض الظواهر المتعلقة بالطاقة والمادة تعتبر كأبناء عم الحالات الست، ألا وهي الليزر، والتوصيلية الفائقة، والإكسايتونات، ويرجع عدم معرفة الناس بالحالات الأخرى إلي أنها ظلت قيد البحث والدراسة عقوداً عديدة.
وتمتاز كل حالة من حالات المادة بقوانينها التي لا توصف إلا من خلالها فلا يصح أن توصف حالة من حالات المادة بقوانين حالة أخرى..
الميوعة الفائقة:
الميوعة الفائقة هي حالة من حالات المادة تأخذ فيها بعض السوائل خواصا غريبة عن المألوف . أول ما اكتشفت تلك الظاهرة كان في الهيليوم السائل عند درجة حرارة 17و2 كلفن .وهي تظهر في النظيرين هيليوم-4 و هيليوم-3 حيث يختفي الاحتكاك الداخلي للسائل تماما وتصل لزوجة السائل إلى الصفر . وقد اكتشف تلك الظاهرة العالم بيوتر كابيتسا، وجون آلان ، و دون ميسينر عام1937 .
وصف الميوعة الفائقة:
لم توجد ظاهرة الميوعة الفائقة حتى الآن سوى مع نظيري الهيليوم (هيليوم-4 و هيليوم-3 وكذلكمع الليثيوم-6 . وينتقلون إلى حالة الميوعة الفائقة عندما تهبط درجة حرارتهم عن درجة الحرارة الحرجة للميوعة الفائقة . وتبلغ درجة الحرارة الحرجة للهيليوم-4 17و2 كلفن ، وللهيليوم-3 النادر جدا 0026و0 كلفن وهي درجة حرارة قليلة جدا وقريبة من الصفر المطلق .
ويسمى والهيليوم-4 عندما يصل إلى حالة الميوعة الفائقة Helium-II ، ويسمى في حالة السيولة المعتادة Helium-I.
ويمكن في حالة الميوعة الفائقة مشاهدة عدة خواص غريبة:
الخاصة الشعرية تكون خالية تماما من الاحتكاك وحتي في أضيق الانابيب
يصل التوصيل الحراري إلى حالة مثالية
عند تدوير الوعاء لا يدور السائل ويبقى ثابتا ، وعند تدوير الوعاء بسرعة كبيرة تظهر على سطح السائل موجات منتظمة في شكل سداسي..
كثافة بوز – أينشتين ( أبرد مادة فى الكون )
من المعلوم أن أشهر مقياس نعرفه لدرجة الحرارة هو مقياس سيلزيوس والذي يبدأ عند درجة انصهار الثلج والتي اعتبرت الدرجة صفر، ويصل إلي 100 درجة عند غليان الماء، ونحن نسمع كثيراً عن درجات حرارة تقع تحت الصفر، هذا صحيح، فهناك مقياس أعم وأشمل لدرجات الحرارة، وهو مقياس كلفن Kelvin أو المقياس المطلق، وهذا المقياس يبدأ تدريجه عند درجة حرارة تعادل - 273.15 سيلزيوس، أي أن الصفر المطلق أو الكلفين يعادل – 273.15 سيلزيوس، وهذه الدرجة الكلفينية أو المطلقة هى أقل درجة حرارة فى الكون فلا يستطيع أي جزء من الكون أن يصل إلي درجة حرارة أقل من هذه الدرجة، وأعتبر هذه الدرجة – إن صح التعبير – من وجهة نظري هى درجة تجمد الكون، فعند هذه الدرجة تتوقف كافة أشكال الحركة الكونية بدأ من الذرات وحتى النجوم وتتوقف كافة أشكال التفاعلات الكيميائية والفيزيائية، ويتوقف بثها للإشعاع الضوئي.
تنشأ كثافة بوز – أينشتاين عندما يتم تبريد المادة بوسائل تبريد متطورة جداً وغاية فى التعقيد إلي درجة تقترب كثيراً من الصفر المطلق، قد تصل أحياناً إلي 50 ميكروكلفن – أي أصغر من الدرجة المطلقة أو واحد كلفن بحوالي عشرين ألف مرة – وقد يستغرق الأمر من التبريد للوصول إلي هذه الدرجة الغاية فى الصغر عدة سنوات أو حتى عدة عقود كما حدث مع الفيزيائي الهولندي كلبنر Kleppner عندما حاول فى عام 1976 فى الوصول إلي هذه الحالة مع الهيدروجين ونجح أخيراً فى الوصول إليها فى يونية عام 1998.
تخيل أنك تمكنت من تقليص نفسك حتى صرت بحجم الجزئ، حينها ستستطيع بكل سهولة رؤية حركة الذرات وهى تبدو ككرات زجاجية تقفز هنا وهناك وترتد عن بعضها باستمرار فى فضاء خال تقريباً، وفجأة تلاحظ أن حركة هذه الذرات بدأت فى الهدوء شيئاً فشيئاً، علي الفور يدرك طالب العلوم أن هذه الذرات تحدث لها عملية تبريد، حيث تبدأ الذرات فى تقليل سرعتها وتقترب من بعضها البعض، وباستمرار عملية التبريد يزداد تقارب هذه الذرات من بعضها، ثم تري فجأة فى مركز المنطقة أن هناك ذرتان من أبطأ الذرات تبدأن فى الإندماج معاً ليكونا فى النهاية كرية كبيرة الحجم ومعتمة، ثم تعمل هذه الكرية كالمصيدة حيث تبدأ فى التهام بقية الذرات المحيطة بها، وفي مفاجأة مروعة تختفي جميع الذرات من حولك ولا يتبقي سوي كتلة ضخمة لا تتحرك، فماذا حدث للذرات المنفردة ؟ وما هو هذا الجسم المعتم الغامض ؟
ما حدث بالفعل هو نشأة هذه الحالة من المادة، وهى أكثر أشكال المادة برودة فى الكون، والتي تمتاز باندماج جميع ذرات هذه المادة مهما اختلفت أنواعها فى كرية ضخمة، بل وتتوقف كافة أشكال الحركة الذرية والجزيئية للمادة، وحينها يستحيل عملياً التمييز بين أي ذرتين مختلفتين فى هذه الحالة وذلك ببساطة لأن جميع المواد فى هذه الحالة تسلك نفس السلوك وهو انعدام الحركة، ولنتصور صعوبة فهم هذه الحالة، فإن الأشياء من حولنا عند هذه الدرجة ستتحول إلي شئ موحد، فلن يكون لديك قلم أو كوب أو حتى الورقة التي تقرأها الآن بالشكل المعروف، ويتكون ما يطلق عليه الذرة العملاقة.
تعود البداية إلي عشرينيات القرن الماضي حيث كان هناك فيزيائياً هندياً يدعي ساتياندرا ناث بوزه يدرس إحدى الظواهر الجديدة الخاصة بالضوء، وتوصل لفكرة عبقرية تتلخص فى كيفية تقوية وترابط الضوء لينتج شعاعاً ضوئياً مترابطاً – الذي عرف فيما بعد بالليزر – ولقد كانت من عبقرية هذه الفكرة حينها أن قوبلت بالمعارضة الشديدة، لذلك لم يستطيع نشر هذه الفكرة فى أي مجلة علمية، لذا أرسلها إلي الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين الذي اقتنع جداً بالفكرة واستخدم نفوذه ليجد لها مكاناً للنشر.
لم يكتف أينشتاين فى مساعدة بوزه فى نشر أبحاثه بل أضاف إليها شيئاً آخر، فلقد رأي أن فرضيات بوزه تسري أيضاً علي الذرات، ولكن بشرط عند درجات الحرارة المنخفضة، كان هذا فى عام 1924، ولقد تم الحصول علي هذه الحالة لأول مرة فى التاريخ مع الروبيديوم صباح يوم 5 يونية عام 1995 فى المعهد المشترك للفيزياء الفلكية المختبرية بالولايات المتحدة الأمريكية علي يد كل من كورنيل، ووايمان، وكيتيرله مما أهلهم للفوز بجائزة نوبل فى الفيزياء لعام 2001.
" منقول "