رياض البطشان
07-10-2009, 04:43 PM
أمل بنت عبد العزيز الهزاني
الحديث عن التعليم ومعوقاته كالحديث حول الصحة والمرض، يبدأ بالوقاية وينتهي بالكي.
لطالما تحدث أهل الاختصاص عن تفنيد مشكلة التأخر في التعليم، راسمين حلولا بخطوط عريضة تحتاج إلى فك ألغاز، كخريطة الكنز التي لا يمكن أن تكون مباشرة وواضحة، بل تظل فيها إثارة الكتابة بالحبر السري، والكلمة التي تحتمل المعنى الضمني أكثر من الظاهر، وكون الخريطة حقيقية أو مزيفة، وكثير من الأسئلة الحائرة.
في رأيي كأكاديمية، أننا حين نناقش مشكلة التعليم العالي أو نحاول إيجاد حلول استراتيجية فنحن مثل الذي يعالج الأوراق والثمار لتكون أجمل، ولكن لا قوة في العالم ستحسّن من جودة هذا الطلع إن ظلت الأرض التي تلد فقيرة أو بحاجة إلى استصلاح، علينا يا سادة أن نُصلح التعليم العام بموازاة التعليم العالي حتى يحق لنا أن نقول إننا في طريق الإصلاح.
إن إدارة التعليم مثل أي إدارة في العالم تحتاج إلى أمرين لكي تنجح: المال، والعقول التي تدير.
وفي بلد كالمملكة العربية السعودية الظن دائما أن المال لا يمثّل عائقا، وهو أمر واقعي حين نرى الإغداق المالي الذي تخصصه حكومة المملكة لمصروفات التعليم، إلا أن الحقيق من القول أن القيادة السعودية لن تضع ريالا واحدا على طاولة خاوية من المشاريع المستحقة، أو الأفكار الخلاّقة.
أما القضية الكبرى، والتي أراها عماد المشكلة ومفتاح الحل، فهي طريقة إدارة التعليم. هناك ثلاث فرق تدير التعليم اليوم في المملكة: الفريق الأول هو الذي حمل راية التغيير، إيمانا به، وعن قناعة ودراية ودراسة لسوق التعليم، وأقول سوق لأن التعليم بضاعة تحتاج إلى صنّاع حرفيين، ومسوّقين مهرة، وهؤلاء نراهم اليوم بلمساتهم القوية يغيرون، وفي وقت قياسي، الحال القديم، ويرسمون واقعا جديدا، جميلا، ولكنه غير مستقر. أو هكذا هي المخاوف.
الفريق الثاني، هم من أسميهم الحرس القديم، المتمسكون بأنماط التعليم التي سادت يوما ثم بادت، شاخت ولكنها لم تمت. هؤلاء ليسوا حرسا قديما في ما يتعلق بالعمر الفسيولوجي الجسماني، بل بالعمر الثقافي. هم حرس على أفكار إدارية قديمة أضافت نقاط احتكاكية على أرض المسير فتأخر التعليم في المملكة رغم الميزانية الهائلة، والطموحات الكبيرة.
الفريق الثالث، هم المتفرجون، المستفيدون من التغيير، ولكنهم بمنأى عن المشاركة فيه لئلا يُحسبون على أي فريق.
إن ما يحصل اليوم من تغيرات في إدارة التعليم في المملكة هو نتيجة التغيير الأكبر الحاصل في المجتمع السعودي عموما، فقفزت المؤسسات التعليمية التي في العادة ما تُمد المجتمع بالأفكار المولدة للتغيير والتحديث، لتستقي من هذا التحول وتنتفع منه، ليجد الفريق الأول الآنف الذكر مكانا في قيادة التعليم، رغم المعوقات الثقافية، وصعوبة فرض واقع جديد.
ما يقلقني شخصيا، فكرة أن تكون التحولات الإيجابية المعتبرة التي صنعتها القيادات التعليمية الحديثة هي تحولات مبنية على الشخصية الفردية، لا على منهج ثابت لن يتغير بتغير الأشخاص القائمين عليه.
هذا الشعور العام بعدم الاستقرار لن يعالجه إلا إحداث تغييرات جذرية في لوائح النظام التعليمي، من التعليم العام وحتى العالي، النجاح الحقيقي هو في تعزيز ثقافة التعلم في مبنى التعليم، من الطابق الأول وحتى مهبط الطائرات في أعلى البرج، حيث لا يمكن أن يستفيد التعليم العالي فائدة شاملة من استخدام هذا المهبط لاستيراد عقول الإبداع وأصحاب نوبل للوقوف على رؤيتهم العلمية والبحثية ونحن ما زلنا نناقش ضرورة تعلم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، الأمر الذي أعتبره معضلة كبيرة وعازلا حقيقيا بيننا وبين العالم. كما لا يمكننا أن نتبنى مشاريع براءات اختراع في العلوم أو الهندسة إن كان أصحابها حالات استثنائية نجت بأعجوبة من ضعف التعليم العام لظروف خاصة، ومن غير المعقول أن نتشارك مع جامعات عريقة في مشاريع تعليم عملاقة ومنا من يشكك إلى اليوم في نفع التعليم الإلكتروني أو التعلم عن بعد.
لا خيار أمامنا اليوم إلا الاستمرار في طريق التغيير، وعدم الالتفات إلى الخلف مهما بلغت قوة الجذب، لا خيار أمامنا إلا دخول سوق المنافسة على التعلم والتعليم، ومن الجذور، حتى نضمن جودة الثمر، بلا هدر لأموال تحسين الحصاد بعد فوات الأوان.
إن المملكة التي اشتهر أبناؤها بقيادة المنطقة في مجمل الشؤون العامة، لديها من أبنائها الذين نراهم اليوم قادة حقيقيون في قطاع التعليم بعزم شديد وأمر رشيد، يعرفون ما يفعلون، وأهم مسؤولياتهم هي تأسيس بنية تحتية للتعلم. وإن بدا أننا تحركنا متأخرين ولكننا نملك من الدلالات على أرض الواقع ما يقول إننا سندخل سوق المنافسة إن حافظنا على هذه العزيمة، والطاقة الطامحة.
وبالمقارنة مع شأن آخر، كالشأن السياسي مثلا، أفكر لو أننا نملك رؤية موحدة في التعليم كما هي الرؤية السياسية الموحدة، لأصبحت المملكة العربية السعودية الأقوى إقليميا، ونافست عالميا، في جودة مخرجات التعليم، ونتاج البحث العلمي.
* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية
الحديث عن التعليم ومعوقاته كالحديث حول الصحة والمرض، يبدأ بالوقاية وينتهي بالكي.
لطالما تحدث أهل الاختصاص عن تفنيد مشكلة التأخر في التعليم، راسمين حلولا بخطوط عريضة تحتاج إلى فك ألغاز، كخريطة الكنز التي لا يمكن أن تكون مباشرة وواضحة، بل تظل فيها إثارة الكتابة بالحبر السري، والكلمة التي تحتمل المعنى الضمني أكثر من الظاهر، وكون الخريطة حقيقية أو مزيفة، وكثير من الأسئلة الحائرة.
في رأيي كأكاديمية، أننا حين نناقش مشكلة التعليم العالي أو نحاول إيجاد حلول استراتيجية فنحن مثل الذي يعالج الأوراق والثمار لتكون أجمل، ولكن لا قوة في العالم ستحسّن من جودة هذا الطلع إن ظلت الأرض التي تلد فقيرة أو بحاجة إلى استصلاح، علينا يا سادة أن نُصلح التعليم العام بموازاة التعليم العالي حتى يحق لنا أن نقول إننا في طريق الإصلاح.
إن إدارة التعليم مثل أي إدارة في العالم تحتاج إلى أمرين لكي تنجح: المال، والعقول التي تدير.
وفي بلد كالمملكة العربية السعودية الظن دائما أن المال لا يمثّل عائقا، وهو أمر واقعي حين نرى الإغداق المالي الذي تخصصه حكومة المملكة لمصروفات التعليم، إلا أن الحقيق من القول أن القيادة السعودية لن تضع ريالا واحدا على طاولة خاوية من المشاريع المستحقة، أو الأفكار الخلاّقة.
أما القضية الكبرى، والتي أراها عماد المشكلة ومفتاح الحل، فهي طريقة إدارة التعليم. هناك ثلاث فرق تدير التعليم اليوم في المملكة: الفريق الأول هو الذي حمل راية التغيير، إيمانا به، وعن قناعة ودراية ودراسة لسوق التعليم، وأقول سوق لأن التعليم بضاعة تحتاج إلى صنّاع حرفيين، ومسوّقين مهرة، وهؤلاء نراهم اليوم بلمساتهم القوية يغيرون، وفي وقت قياسي، الحال القديم، ويرسمون واقعا جديدا، جميلا، ولكنه غير مستقر. أو هكذا هي المخاوف.
الفريق الثاني، هم من أسميهم الحرس القديم، المتمسكون بأنماط التعليم التي سادت يوما ثم بادت، شاخت ولكنها لم تمت. هؤلاء ليسوا حرسا قديما في ما يتعلق بالعمر الفسيولوجي الجسماني، بل بالعمر الثقافي. هم حرس على أفكار إدارية قديمة أضافت نقاط احتكاكية على أرض المسير فتأخر التعليم في المملكة رغم الميزانية الهائلة، والطموحات الكبيرة.
الفريق الثالث، هم المتفرجون، المستفيدون من التغيير، ولكنهم بمنأى عن المشاركة فيه لئلا يُحسبون على أي فريق.
إن ما يحصل اليوم من تغيرات في إدارة التعليم في المملكة هو نتيجة التغيير الأكبر الحاصل في المجتمع السعودي عموما، فقفزت المؤسسات التعليمية التي في العادة ما تُمد المجتمع بالأفكار المولدة للتغيير والتحديث، لتستقي من هذا التحول وتنتفع منه، ليجد الفريق الأول الآنف الذكر مكانا في قيادة التعليم، رغم المعوقات الثقافية، وصعوبة فرض واقع جديد.
ما يقلقني شخصيا، فكرة أن تكون التحولات الإيجابية المعتبرة التي صنعتها القيادات التعليمية الحديثة هي تحولات مبنية على الشخصية الفردية، لا على منهج ثابت لن يتغير بتغير الأشخاص القائمين عليه.
هذا الشعور العام بعدم الاستقرار لن يعالجه إلا إحداث تغييرات جذرية في لوائح النظام التعليمي، من التعليم العام وحتى العالي، النجاح الحقيقي هو في تعزيز ثقافة التعلم في مبنى التعليم، من الطابق الأول وحتى مهبط الطائرات في أعلى البرج، حيث لا يمكن أن يستفيد التعليم العالي فائدة شاملة من استخدام هذا المهبط لاستيراد عقول الإبداع وأصحاب نوبل للوقوف على رؤيتهم العلمية والبحثية ونحن ما زلنا نناقش ضرورة تعلم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، الأمر الذي أعتبره معضلة كبيرة وعازلا حقيقيا بيننا وبين العالم. كما لا يمكننا أن نتبنى مشاريع براءات اختراع في العلوم أو الهندسة إن كان أصحابها حالات استثنائية نجت بأعجوبة من ضعف التعليم العام لظروف خاصة، ومن غير المعقول أن نتشارك مع جامعات عريقة في مشاريع تعليم عملاقة ومنا من يشكك إلى اليوم في نفع التعليم الإلكتروني أو التعلم عن بعد.
لا خيار أمامنا اليوم إلا الاستمرار في طريق التغيير، وعدم الالتفات إلى الخلف مهما بلغت قوة الجذب، لا خيار أمامنا إلا دخول سوق المنافسة على التعلم والتعليم، ومن الجذور، حتى نضمن جودة الثمر، بلا هدر لأموال تحسين الحصاد بعد فوات الأوان.
إن المملكة التي اشتهر أبناؤها بقيادة المنطقة في مجمل الشؤون العامة، لديها من أبنائها الذين نراهم اليوم قادة حقيقيون في قطاع التعليم بعزم شديد وأمر رشيد، يعرفون ما يفعلون، وأهم مسؤولياتهم هي تأسيس بنية تحتية للتعلم. وإن بدا أننا تحركنا متأخرين ولكننا نملك من الدلالات على أرض الواقع ما يقول إننا سندخل سوق المنافسة إن حافظنا على هذه العزيمة، والطاقة الطامحة.
وبالمقارنة مع شأن آخر، كالشأن السياسي مثلا، أفكر لو أننا نملك رؤية موحدة في التعليم كما هي الرؤية السياسية الموحدة، لأصبحت المملكة العربية السعودية الأقوى إقليميا، ونافست عالميا، في جودة مخرجات التعليم، ونتاج البحث العلمي.
* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية