عمر مغربي
01-25-2010, 10:58 PM
أبو راشد عضو المجلس البلدي في محافظة القنفذة، رجل تربوي محنّك، عمل طويلاً في مجال التربية والتعليم، تنحّى عن العمل التربوي منذ أن رُشّح عضواً في المجلس البلدي، صاحب جهود بارزة في الكثير من مناشط وفعاليات منطقته، وتمّ مؤخراً انتدابه إلى العاصمة الرياض لحضور مؤتمر محلّي بعنوان: (انعكاسات النظرية البنائية على واقع التعليم السعودي ).
أمّا أبو عرّام فهو أحد عمد أحياء مدينة مكّة المكرّمة حرسها الله، عمدة عصري، مثقّف، له اهتمامات واسعة بالتربية والتعليم، (صحيح هو من عيال حارة الباب ) :) لكنه يعدّ أوّل عمدة حي يعتمد مشروع العُمُودية الالكترونية، حيث أنشأ موقعاً ومنتدىً حواري على شبكة الانترنت خاص بساكني وقاطني حيّه، يتواصل معهم من خلاله، ويقضي حاجاتهم الرسمية الكترونياً بطريقة عصرية ورائعة، وقد تمّ اختياره من قِبل المسؤوليين في مكّة ليكون ممثّلاً لأولياء الأمور في المؤتمر المشار إليه.
في مطار جدّة، وفي صالة الانتظار، تقابل أبو عرّام وأبو راشد، وتعارفا وعلم كلاهما أنّ زميله الآخر مشارك في نفس المؤتمر المحلّي البالغ الأهمّية.
ومن محاسن الصدف أن كان مقعديهما متجاورين في الطائرة، وبعد أن أقلعت الطائرة:
أبو راشد: (تعرف يا بو عرّام)، أتمنّى أن يحقّق هذا المؤتمر أهدافه.
...
أبو عرّام: أتمنى ذلك أيضاً ولكن (يا بو راشد ) القضيّة صعبة، لا أتوقّع أن نصل إلى حلول فاعلة للمشاكل العويصة (اللي نحن واقعين فيها)!
...
أبو راشد: بالفعل، الآن نلمس وبوضوح التداعيات الخطيرة التي نتجت عن التطوير والتحسين الذي تمّ مؤخّراً في مجال التعليم.
...
أبو عرّام: التطوير والتحسين مطلب، ووفق معرفتي فجميع المشاريع والبرامج المطبّقة رائدة، ومن أهمّها مشروع العلوم والرياضيات، هذا المشروع الذي كنّا - وما زلنا - نؤمّل من تطبيقه إحداث نهضة علمية وتقنية كبيرة في المملكة.
...
أبو راشد: نعم صحيح، فسلاسل المقررات الجديدة للعلوم والرياضيات، حديثة المحتوى والمنهجية، وتقوم على نظرية تربوية حديثة تسمّى بالنظرية البنائية.
...
أبو عرّام: النظرية البنائية! آه، نعم، يا أخي ليس فقط مشروع العلوم والرياضيات، بل كّل المشاريع التربوية والتعليمية المطبّقة مؤخراً تستند إلى هذه النظرية كما سمعت! الغريب أنّ هناك من يرجع سبب تلك المشكلات التعليمية التي نعاني منها إليها!!!
...
أبو راشد: ربّما، فأدوار المعلّم والمتعلّم وفق هذه النظرية قد تغيّرت تماماً! وقد يكون هناك خلل في الآلية التي تمّ من خلالها تغيير تلك الأدوار.
...
وبعد لحظات من الصمت والوجوم الذي ساد الموقف!
...
أبو راشد: ( تعرف يا أبو عرّام؟ ) المشكلة ليست في النظرية نفسها، في تصوّري أنّ المشكلة تكمن في تطبيق مبادئها وأفكارها!
...
أبو عرّام (وهو يهزّ رأسه): نعم ممكن، فقد قرأت بأنّ الأفكار والتطبيقات البنائية راقية إلى حدٍ بعيد.
...
أبو راشد: كنّا نأمل بأن يكون المعلّم ميسّر، ومدير، وموجّه، ومشجّع! إلاّ أنّنا وللأسف لاحظنا أنّ الكثير منهم: حائر، ومتخبّط، (وملخبط)، ومحبط!
...
أبو عرّام: كيف؟ لم افهم قصدك؟
...
أبو راشد: سأوضّح لك ..
تصوّر لو أنّ إدارة مستشفى كبير طلبت من طبيب جراح تقليدي فيها أن يتولى إجراء عملية جراحية دقيقة، وباستخدام طريقة حديثة وذلك عن طريق جرّاح آلي ( روبوت ) يتم التحكّم به من خلال حاسوب ذكي! هل يمكن لهذه الطبيب إجراء العملية!؟
...
أبو عرّام: بالطبع لا، لا يُتصوّر ذلك منه إلاّ بعد تأهيل وتدريب مناسبين.
...
أبو راشد: ( نفس الكلام يا أخي ) ينطبق على معلّمينا في ظلّ البنائية الحديثة، فالمهمّات التي أُلقيت على عواتقهم أكبر بكثير من إمكانياتهم وقدراتهم!
...
أبو عرّام: ولكنّ المسؤولون حرصوا وقتها على تدريب المشرفين والمعلّمين على الأدوار الجديدة!؟
...
أبو راشد: المهمّات الجديدة (يا بو عرّام ) كانت أكبر من أن تُمارس من خلال تدريب عابر ومتقطّع، المهمّات كانت تحتاج إلى عملية إعادة تأهيل مهني كامل مدروس ومخطّط له.
...
أبو عرّام: ( تعرف يا بو راشد!؟ ) لي صديق مشرف تربوي علوم ( أوّل حرف من إسمه عمر :) ) كان يشتكي ويقول لي دائماً: إنّهم يجدون ضيقاً شديداً في الوقت أثناء الدوام الصباحي لتدريب المعلّمين، أمّا في الفترة المسائية فهناك عدم تقبّل وعدم إقبال على البرامج المسائية من قِبل المعلّمين!
...
أبو راشد: مشكلة فعلاً، ما الحلّ في رأيك؟
...
أبو عرّام: الحلّ (والعهدة على صديقي عمر :( ) هو أنه كان من المفترض أن يُنّفذ برنامج تأهيلي مسائي لمعلّمي العلوم والرياضيات لا يقلّ عن فصل دراسي كامل، يتم إلزام جميع المعلّمين بحضوره، وتُصرف لهم مكافئة مالية مجزية تشجيعاً لهم، ويكون في هذا البرنامج حقيبة تدريبية معدّة بعناية، ومدرّبون أكفّاء، وضوابط محدّدة للحضور، ومعايير لجودة الأداء التدريبي، ولا مانع أن يُمنح المعلّمون بعد اجتياز البرنامج درجة في سلّمهم الوظيفي.
...
أبو راشد: ما هي خسارة أبداً، فمعلّمونا يستاهلون، وأولادنا - بنين وبنات - هم الرابحون، والنهوض بمملكتنا الغالية أسمى ما نتمنّى ويتمنّون.
كتبه: عمر مغربي، الاثنين 10 صفر 1431هـ
أمّا أبو عرّام فهو أحد عمد أحياء مدينة مكّة المكرّمة حرسها الله، عمدة عصري، مثقّف، له اهتمامات واسعة بالتربية والتعليم، (صحيح هو من عيال حارة الباب ) :) لكنه يعدّ أوّل عمدة حي يعتمد مشروع العُمُودية الالكترونية، حيث أنشأ موقعاً ومنتدىً حواري على شبكة الانترنت خاص بساكني وقاطني حيّه، يتواصل معهم من خلاله، ويقضي حاجاتهم الرسمية الكترونياً بطريقة عصرية ورائعة، وقد تمّ اختياره من قِبل المسؤوليين في مكّة ليكون ممثّلاً لأولياء الأمور في المؤتمر المشار إليه.
في مطار جدّة، وفي صالة الانتظار، تقابل أبو عرّام وأبو راشد، وتعارفا وعلم كلاهما أنّ زميله الآخر مشارك في نفس المؤتمر المحلّي البالغ الأهمّية.
ومن محاسن الصدف أن كان مقعديهما متجاورين في الطائرة، وبعد أن أقلعت الطائرة:
أبو راشد: (تعرف يا بو عرّام)، أتمنّى أن يحقّق هذا المؤتمر أهدافه.
...
أبو عرّام: أتمنى ذلك أيضاً ولكن (يا بو راشد ) القضيّة صعبة، لا أتوقّع أن نصل إلى حلول فاعلة للمشاكل العويصة (اللي نحن واقعين فيها)!
...
أبو راشد: بالفعل، الآن نلمس وبوضوح التداعيات الخطيرة التي نتجت عن التطوير والتحسين الذي تمّ مؤخّراً في مجال التعليم.
...
أبو عرّام: التطوير والتحسين مطلب، ووفق معرفتي فجميع المشاريع والبرامج المطبّقة رائدة، ومن أهمّها مشروع العلوم والرياضيات، هذا المشروع الذي كنّا - وما زلنا - نؤمّل من تطبيقه إحداث نهضة علمية وتقنية كبيرة في المملكة.
...
أبو راشد: نعم صحيح، فسلاسل المقررات الجديدة للعلوم والرياضيات، حديثة المحتوى والمنهجية، وتقوم على نظرية تربوية حديثة تسمّى بالنظرية البنائية.
...
أبو عرّام: النظرية البنائية! آه، نعم، يا أخي ليس فقط مشروع العلوم والرياضيات، بل كّل المشاريع التربوية والتعليمية المطبّقة مؤخراً تستند إلى هذه النظرية كما سمعت! الغريب أنّ هناك من يرجع سبب تلك المشكلات التعليمية التي نعاني منها إليها!!!
...
أبو راشد: ربّما، فأدوار المعلّم والمتعلّم وفق هذه النظرية قد تغيّرت تماماً! وقد يكون هناك خلل في الآلية التي تمّ من خلالها تغيير تلك الأدوار.
...
وبعد لحظات من الصمت والوجوم الذي ساد الموقف!
...
أبو راشد: ( تعرف يا أبو عرّام؟ ) المشكلة ليست في النظرية نفسها، في تصوّري أنّ المشكلة تكمن في تطبيق مبادئها وأفكارها!
...
أبو عرّام (وهو يهزّ رأسه): نعم ممكن، فقد قرأت بأنّ الأفكار والتطبيقات البنائية راقية إلى حدٍ بعيد.
...
أبو راشد: كنّا نأمل بأن يكون المعلّم ميسّر، ومدير، وموجّه، ومشجّع! إلاّ أنّنا وللأسف لاحظنا أنّ الكثير منهم: حائر، ومتخبّط، (وملخبط)، ومحبط!
...
أبو عرّام: كيف؟ لم افهم قصدك؟
...
أبو راشد: سأوضّح لك ..
تصوّر لو أنّ إدارة مستشفى كبير طلبت من طبيب جراح تقليدي فيها أن يتولى إجراء عملية جراحية دقيقة، وباستخدام طريقة حديثة وذلك عن طريق جرّاح آلي ( روبوت ) يتم التحكّم به من خلال حاسوب ذكي! هل يمكن لهذه الطبيب إجراء العملية!؟
...
أبو عرّام: بالطبع لا، لا يُتصوّر ذلك منه إلاّ بعد تأهيل وتدريب مناسبين.
...
أبو راشد: ( نفس الكلام يا أخي ) ينطبق على معلّمينا في ظلّ البنائية الحديثة، فالمهمّات التي أُلقيت على عواتقهم أكبر بكثير من إمكانياتهم وقدراتهم!
...
أبو عرّام: ولكنّ المسؤولون حرصوا وقتها على تدريب المشرفين والمعلّمين على الأدوار الجديدة!؟
...
أبو راشد: المهمّات الجديدة (يا بو عرّام ) كانت أكبر من أن تُمارس من خلال تدريب عابر ومتقطّع، المهمّات كانت تحتاج إلى عملية إعادة تأهيل مهني كامل مدروس ومخطّط له.
...
أبو عرّام: ( تعرف يا بو راشد!؟ ) لي صديق مشرف تربوي علوم ( أوّل حرف من إسمه عمر :) ) كان يشتكي ويقول لي دائماً: إنّهم يجدون ضيقاً شديداً في الوقت أثناء الدوام الصباحي لتدريب المعلّمين، أمّا في الفترة المسائية فهناك عدم تقبّل وعدم إقبال على البرامج المسائية من قِبل المعلّمين!
...
أبو راشد: مشكلة فعلاً، ما الحلّ في رأيك؟
...
أبو عرّام: الحلّ (والعهدة على صديقي عمر :( ) هو أنه كان من المفترض أن يُنّفذ برنامج تأهيلي مسائي لمعلّمي العلوم والرياضيات لا يقلّ عن فصل دراسي كامل، يتم إلزام جميع المعلّمين بحضوره، وتُصرف لهم مكافئة مالية مجزية تشجيعاً لهم، ويكون في هذا البرنامج حقيبة تدريبية معدّة بعناية، ومدرّبون أكفّاء، وضوابط محدّدة للحضور، ومعايير لجودة الأداء التدريبي، ولا مانع أن يُمنح المعلّمون بعد اجتياز البرنامج درجة في سلّمهم الوظيفي.
...
أبو راشد: ما هي خسارة أبداً، فمعلّمونا يستاهلون، وأولادنا - بنين وبنات - هم الرابحون، والنهوض بمملكتنا الغالية أسمى ما نتمنّى ويتمنّون.
كتبه: عمر مغربي، الاثنين 10 صفر 1431هـ