تلعب البحوث الإجرائية دورا كبيرا في تفعيل الممارسات التربوية وتحويل الإطار التربوي النظري والفلسفي إلى جانب عملي مهني، مما يزيد من فعالية الأداء, وتحقيق نتائج أفضل، والتخلي عن الممارسات السلبية.
فإذا ما أعطينا أنفسنا فرصا كافية للتطبيق والممارسة حتى تستقر لدينا المهارات العقلية والعملية وتصبح سلوكًا راسخًا في ممارستنا، فنحن إذا نسعى للتطور الدائم. وحتى لا يكون كلامنا رنانًا وعباراتنا قوية دون عمل فلا بد لنا من أدوات تساعدنا بعد الله على تحقيق ما نصبو إليه ، ويعتبر البحث الإجرائي من أقوى أدوات التطوير المهني التي نجد في كثير من المنتديات تعريفا له وتوضيحا لإجراءاته. وسنتناول هنا في هذا الموضوع تعريف البحث الإجرائي ومسلماته وخطواته بأسلوب جديد نعرض خلاله بحثًا إجرائيًا متتبعين خطوات الباحث وما قام به أثناء البحث بدءً بالتأمل في أوضاعه وانتهاءً بكتابته لبحثه والملخص له. نسأل الله أن يوفقنا جميعًا في هذا الطرح, وأن ينفع به كل من يتطلع إلى التطوير المهني.
ما هو البحث الإجرائي:
هو بحث محدد الإطار يقوم به فرد أو مجموعة أشخاص في المهنة لدراسة ممارسة مهنية أو حل مشكلة تواجههم في العمل, وذلك بالبحث في حقيقة الموقف واتخاذ إجراء عملي للوصول إلى النتائج والتأكد مما تم التوصل إليه .
مسلمات البحث الإجرائي:
كل إنسان عامل يواجه في مجال عمله أو حياته عددًا من المشكلات والصعوبات التي تعيقه عن تحقيق أهدافه, والتي تقلل من إنتاجيته. فالعمل أو الحياة مليئة بالمشكلات والصعوبات.
إن أفضل شخص لحل هذه المشكلات هو الإنسان الذي يواجهها, فهو الأقرب إلى مشكلته و الأدرى بظروفه, وعليه وحده مهمة حلها, قد يحتاج إلى مساعدة خبير أو مختص, ولكن مسؤولية الحل تبقى عليه وحده.
خطوات البحث الإجرائي
يبدأ الباحث الإجرائي بالتأمل والتفكير في ممارساته فيسأل نفسه
ماذا أفعل؟ لماذا أفعل هذا الشيء بهذه الطريقة؟
لماذا نحن في هذه الحالة التي نحن عليها الآن؟
كيف نطور من أفعالنا؟
ما الذي يجب أن نفعله كي نحقق فهما أفضل لذاتنا, ونستمر في تطوير أنفسنا وأعمالنا؟
ما المشكلة التي تواجهني ؟ ما الذي يعيقني؟
ما الذي يمكنني فعله لحل المشكلة؟
كيف سأعرف أنني نجحت؟ هل حللت المشكلة؟ ما الأدلة على ذلك؟
من هنا يبدأ الباحث الإجرائي بإعداد بحثه وفق خطوات المنهج العلمي في البحث
1- الإحساس بالمشكلة وتحديد مجالها:
من خلال التأمل في الممارسات الحالية , يمكن العثور على مشكلة أو ممارسة كقضية للبحث. ويعتبر التأمل نواة البحوث الإجرائية ومحورها ، فالباحث الإجرائي يقوم بأبحاثه على نفسه كممارس، كما أن التغيير والتأمل يسيران معًا، وعملية التغيير الفعالة تتم بعد تأمل المعلمين في ممارساتهم ، ومقارنتها بالممارسات المثالية في ظرف معين.
ولتوضيح هذه الخطوة أكثر دعونا نستعرض تأملات المعلم محمد التي تمخضت عنها مشكلة لبحث إجرائي سوف نتتبع خطواته في حلقات متتالية لهذا الموضوع
المعلم محمد يدرس مادة الرياضيات منذ عشرة أعوام وقد بدأ تدريس الرياضيات المطورة منذ عامين كتب في تأملاته
لقد درست مادة الرياضيات لمدة ثمانية أعوام كنت حريصا فيها على متابعة طلابي وتقدم تحصيلهم الدراسي وذلك من خلال الاختبارات القصيرة الدورية واختبارات نهاية الفصل الدراسي وكنت حريصا على اكتشاف أخطاء الطلاب ومعالجتها, وكل ذلك كان يتم في سياق رياضي بحت من تمارين ومسائل حيث كنت أجد أخطاء الطلاب إما في إجراء العمليات الحسابية أو تطبيق القوانين أو عدم فهم مفردات المسألة وما إلى ذلك من أخطاء شائعة وغير شائعة في إجابات الطلاب, وكنت أوفق غالبًا في اكتشاف الأخطاء ومعالجتها. أما الآن وأنا أدرس المناهج المطورة لطلابي طلاب المرحلة المتوسطة فقد لاحظت مشكلة حيرتني عند بعض طلابي والذين أعتبرهم متفوقين رياضيًا , هذه المشكلة هي على الرغم من أن الطالب منهم يستطيع حل التدريبات والمسائل وكتابة الحل بشكل منظم , إلا أنه يبدو قلقًا ومحرجًا عند الإجابة على السؤال من نوع تحدث أو اكتب فعند الإجابة عن سؤال تحدث يقول لي عفوا يا أستاذ أعطيني أي تمرين وسأقوم بحله على الورقة أو على السبورة, أو قد يجيب إجابة مختصرة تجنبه مواصلة الحديث حول الموضوع. لقد حدثت نفسي كثيرا لماذا يواجه طلابي هذه المشكلة؟ ما الأسباب وما العوامل؟ ما الذي يمكنني فعله لحل هذه المشكلة ؟ كيف سأعرف أنني نجحت؟ هل حللت المشكلة؟ ما الأدلة على ذلك؟ وبمراجعة الأدبيات التربوية الخاصة بتدريس الرياضيات وبعد حضوري البرنامج الأساسي في تدريب المعلمين على تدريس مناهج الرياضيات المطورة وجدت إجابة على بعض تساؤلاتي التي ساعدتني في تحديد بعض جوانب المشكلة وهي افتقار معظم طلابي للقدرة على التواصل الرياضي في الصف تحدثًا وكتابة، وما هو دوري كمعلم من أجل توفير سياق تفاعلي يشجع على استخدام اللغة الطبيعية في التواصل الرياضي .
إن أفضل طريقة للإجابة على بقية الأسئلة التي طرحتها على نفسي هي أن أعمل بحثًا إجرائيًا.

وسنكمل في الحلقة التالية بإذن الله الخطوة التالية من خطوات البحث الإجرائي. آمل أن نستفيد من آرائكم ومشاركاتكم حول الموضوع.